صحّة حديث (داووا مرضاكم بالصدقة)

رُوِي حديث "داووا مرضاكم بالصدقة" بأكثر من متن، والحديث العام هو: (حصِّنوا أموالَكم بالزَّكاةِ، وداوُوا مرضاكُم بالصَّدقةِ، وأعِدُّوا للبلاءِ الدُّعاءَ)، وقد حكم عليه أكثر أهل العلم بالضعف الشديد، وعند البحث عن تخريجه وتخريج المتون المشابهة له نجد أحكام المحدّثين عليه تدور بين الألفاظ الآتية: ضعيف، موضوع، إسناده ضعيف، مرسل، منكر، ونحوها من الأحكام.[١]


إلا أنّ الألباني -رحمه الله- حسّن جملة: (داووا مرضاكم بالصدقة)،[٢] وضعّف الحديث مع الجمل الأخرى فيه، ومن أهل العلم مَن يرى أنّ هذا الحديث لا يعتضد ويتقوّى بغيره، لأنّ بقيّة الأسانيد ضعيفة لا تقوّيه، ونجد في الوقت ذاته العديد من العلماء يذكرون هذا الحديث في كتبهم ويحتجّون به في باب الترغيب بالصدقة عن المريض، لأنّ معناه صحيح.[٣]


ومِن أهل العلم مَن يعتبر هذا الحديث حسناً لكثرة طرقه حتى وإن كانت ضعيفة، فقد رواه البيهقي في شعب الإيمان والطبراني في المعجم الكبير من رواية أبي أمامة الباهلي، ورواه البيهقي والطبراني أيضاً من رواية عبد الله بن مسعود، ورُوي كذلك عن العديد من الصحابة في طرقٍ أخرى؛ كعبد الله بن عمر، وأنس بن مالك، والحسن البصري، وغيرهم من الصحابة -رضي الله عنهم جميعاً-، وهذه الروايات يُقوّي بعضها بعضاً.[٤]


شرح العلماء لحديث (داووا مرضاكم بالصدقة)

شرح هذا الحديث العديد من العلماء في كتبهم، وفُسِّر بطريقتين، فمن أهل العلم مَن يرى أنّ هذا الحديث يحثّ على الصدقة عن المريض بنيّة شفائه، وطلب الدعاء له من المُتصدَّق عليه، ومنهم مَن يرى أنّ المقصود هو زيارة المريض، فبها يُدخل المسلم السرور على قلبه، لأنّ عيادة المريض معروفٌ، والمعروف صدقة، ولكنّ أكثر أهل العلم على التفسير الأول، إذ لا يصحّ صرف اللفظ عن ظاهره بدون دليلٍ.[٥]


حكم العمل بحديث (داووا مرضاكم بالصدقة)

لا حرج بالعمل بهذا الحديث، لأنّه في فضائل الأعمال، ولوجود العديد من الأدلّة الشرعية الصحيحة التي تُبيّن فضل الصدقة في دفع البلاء عموماً، ولكن يتصدّق المسلم حينها مخلصاً نيّته لله -تعالى- وموقناً أنّ الشفاء بيده، ويستحضر بعد ذلك نية شفائه أو شفاء مريضه.[٦]


إذْ جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: "الحديث المذكور غير صحيح، ولكن لا حرج في الصدقة عن المريض تقرباً إلى الله -عز وجل-، ورجاء أن يشفيه الله بذلك؛ لعموم الأدلة الدالة على فضل الصدقة، وأنها تطفئ الخطيئة وتدفع ميتة السوء"،[٧] وتحدّث ابن القيّم عن ذلك فأبلغ في كلامه، حيث قال عن الصدقة:

  • "... ها هنا من الأدوية الَّتي تشفي من الأمراض ما لم يهتد إليها عقولُ أكابر الأطبَّاء، ولم تصل إليها علومهم وتجاربهم وأقيستهم، من الأدوية القلبيَّة والرُّوحانيَّة، وقوَّة القلب واعتماده على اللَّه، والتَّوكُّل عليه والالتجاء إليه، والانطراح والانكسار بين يديه، والتَّذلُّل له، والصَّدقة،... وإغاثة الملهوف، والتَّفريج عن المكروب".[٨]
  • "... إنّ للصدقة تأثيراً عجيباً في دفع أنواع البلاء ولو كانت من فاجر أو من ظالم بل من كافر، فإنّ الله تعالى يدفع بها عنه أنواعاً من البلاء، وهذا أمر معلوم عند الناس خاصتهم وعامتهم، وأهل الأرض كلهم مقرون به لأنهم جربوه".[٩]


وهناك العديد من الأحاديث النبوية الصحيحة التي تدعو إلى الصدقة لدفع البلاء، فمثلاً حثّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- الناس على الصدقة عند الكسوف فقال: (... فإذا رَأَيْتُمْ ذلكَ، فادْعُوا اللَّهَ، وكَبِّرُوا وصَلُّوا وتَصَدَّقُوا)،[١٠] وهذا يدلّ على نفعها في دفع البلاء،[٣] ولمّا كان المرض بلاءً صعباً على صاحبه؛ ناسب أن يكون علاجه في مساعدة الفقير وإغاثة الملهوف وتنفيس الكربات من خلال الصدقة وبذل المال في سبيل الله.[١١]

المراجع

  1. مرضاكم بالصدقة&st=w&xclude=&rawi[=#specialist "الحكم على حديث (داووا مرضاكم بالصدقة)"]، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 19/2/2023. بتصرّف.
  2. ياسر الحمداني، موسوعة الرقائق والأدب، صفحة 5004. بتصرّف.
  3. ^ أ ب "أقوال العلماء في حديث: (داووا مرضاكم بالصدقة)"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 14/2/2023. بتصرّف.
  4. عبد الرحيم الطحان، خطب ودروس الشيخ عبد الرحيم الطحان، صفحة 7، جزء 70. بتصرّف.
  5. مجموعة من المؤلفين، فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 851، جزء 3. بتصرّف.
  6. عبد الله الغنيمان، شرح فتح المجيد للغنيمان، صفحة 53، جزء 142. بتصرّف.
  7. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، فتاوى اللجنة الدائمة، صفحة 442، جزء 24.
  8. ابن القيم، زاد المعاد في هدي خير العباد، صفحة 13، جزء 4.
  9. ابن القيم، الوابل الصيب، صفحة 31.
  10. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:1044، صحيح.
  11. "وقفات وتأملات مع حديث “داووا مرضاكم بالصدقة“"، إسلام أون لاين، اطّلع عليه بتاريخ 14/2/2023. بتصرّف.