حديث اهجهم وجبريل معك

ثبت في صحيحي البخاري ومسلم أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لحسان بن ثابت -رضي الله عنه-: (اهْجُهُمْ أوْ هَاجِهِمْ وجِبْرِيلُ معكَ)، وفي رواية أخرى: (اهْجُ المُشْرِكِينَ؛ فإنَّ جِبْرِيلَ معكَ)؛[١] وقد كان ذلك في يهود بني قريظة، عندما خانوا العهد مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في غزوة الأحزاب -أو غزوة الخندق- بتحالفهم مع قريش.[٢]


شرح حديث اهجهم وجبريل معك

أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- حسّان بن ثابت -رضي الله عنه- يوم الأحزاب أن يهجو الكافرين والمشركين، وأن يدافع عن الإسلام والمسلمين، وعن النبي -صلى الله عليه وسلم- بالشعر الموزون الفصيح،[٢] كما كانت قريش وحلفاؤها من أعداء المسلمين يفعلون؛ ويُقصد بالهجاء: ذمّ الشخص وذكر معايبه،[٣] وهو جائز في حقّ أهل البدع والضلال؛[٤] بل عدّه بعض أهل العلم من أفضل أنواع الجهاد بالكلمة في سبيل الله -تعالى-.[٥]


لما يترتب عليه من كشف عورات هذه الفئة الضالّة من الناس، وبيان فساد عقولهم، وأفكارهم، وقواعدهم، بالإضافة إلى إظهار فضائحهم ليتقي الناس من شرورهم.[٥] وقد ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- تأييد جبريل -عليه السلام- لحسّان بن ثابت -رضي الله عنه-، قاصداً بذلك ما يكون من المعونة بالإلهام والتذكير؛ ففي حديث آخر للنبي -صلى الله عليه وسلم- دعا فيه لحسّان -رضي الله عنه- فقال: (... اللَّهُمَّ أيِّدْهُ برُوحِ القُدُسِ...).[٦][٧]


ما جاء من شعر حسان بن ثابت

يذكر ابن كثير -رحمه الله- في كتابه البداية والنهاية؛ ما كان من الشعر والأشعار يوم الخندق في بني قريظة؛ فذكر أشعاراً عديدة مما جاء على لسان المشركين، وما كان من ردّ المسلمين وشعرائهم؛ فكان مما ذكره ما قاله أحد المشركين؛ وهو عبد الله بن الزّبعريّ السهميّ -قبل إسلامه-؛ حيث سرد أبياتٍ عديدة يُعيّر فيها المسلمون بالخندق، مدعيّاً أنّه كان لجبنهم وخوفهم من لقاء الأحزاب، فكان مما قاله:[٨]



لَوْلَا الْخَنَادِقُ غَادَرُوا مِنْ جَمْعِهِمْ قَتْلَى لِطَيْرٍ سُغَّبٍ وَذِئَابِ



وقد قام حسّان بن ثابت -رضي الله عنه- يردّ عليه بشعر قويّ فصيح، نذكر منه:



فَدَعِي الدِّيَارَ وَذِكْرَ كُلِّ خَرِيدَةٍ بَيْضَاءَ آنِسَةِ الْحَدِيثِ كَعَابِ وَاشْكُ الْهُمُومَ إِلَى الْإِلَهِ وَمَا تَرَى مِنْ مَعْشَرٍ ظَلَمُوا الرَّسُولَ غِضَابِ سَارُوا بِجَمْعِهِمُ إِلَيْهِ وَأَلَّبُوا أَهْلَ الْقُرَى وَبِوَادِيَ الْأَعْرَابِ جَيْشٌ عُيَيْنَةُ وَابْنُ حَرْبٍ فِيهِمُ مُتَخَمِّطُونَ بِحَلْبَةِ الْأَحْزَابِ حَتَّى إِذَا وَرَدُوا الْمَدِينَةَ وَارْتَجَوْا قَتْلَ الرَّسُولِ وَمَغْنَمَ الْأَسْلَابِ وَغَدَوْا عَلَيْنَا قَادِرِينَ بِأَيْدِهِمْ رُدُّوا بِغَيْظِهِمُ عَلَى الْأَعْقَابِ بِهُبُوبِ مُعْصِفَةٍ تُفَرِّقُ جَمْعَهُمْ وَجُنُودِ رَبِّكَ سَيِّدِ الْأَرْبَابِ فَكَفَى الْإِلَهُ الْمُؤْمِنِينَ قِتَالَهُمْ وَأَثَابَهُمْ فِي الْأَجْرِ خَيْرَ ثَوَابِ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا فَفَرَّقَ جَمْعَهُمْ تَنْزِيلُ نَصْرِ مَلِيكِنَا الْوَهَّابِ وَأَقَرَّ عَيْنَ مُحَمَّدٍ وَصِحَابِهِ وَأَذَلَّ كُلَّ مُكَذِّبٍ مُرْتَابِ



المستفاد من هذا الحديث

إنّ أبرز ما يمكن استنتاجه من هذا الحديث ما كان متعلقاً بهجاء المشركين، وما يتصل به من ضوابط وشروط تبيّن أحكامه؛ ويمكن الإشارة إلى ذلك -مما ذكره أهل العلم- بالنقاط الآتية:[٩]

  • هجاء المشركين وسبّهم جائز بدلالة هذا الحديث.
  • لا حرمة للمشركين إذا تعرّضوا للمسلمين، والانتصار منهم يكون بذمهم وذكر كفرهم، وقبيح أفعالهم.
  • يعدّ هجاء المشركين المعتدين من أشرف الأعمال والأقوال؛ التي يحصل معها التأييد والنصرة من الله -تعالى- ومن الملائكة.
  • هجاء المشركين يكون مجاراة لأفعالهم، أمّا إذا لم يقع السباب منهم فلا وجه لسبّهم؛ فليس المسلم باللعان ولا الفاحش ولا البذيء.
  • إنّ الله -تعالى- أمر المسلمين بنصرة النبي -صلى الله عليه وسلم- بأيديهم وأسلحتهم، فتكون النصرة بألسنتهم أولى وأوجب عليهم.
  • مكانة وفضل حسّان بن ثابت -رضي الله عنه- في نصرة النبي -صلى الله عليه وسلم-، والذّب عنه.

المراجع

  1. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن البراء بن عازب، الصفحة أو الرقم:4123، صحيح.
  2. ^ أ ب ابن حجر العسقلاني، فتح الباري، صفحة 416، جزء 7. بتصرّف.
  3. أحمد مختار عمر، معجم اللغة العربية المعاصرة، صفحة 2329، جزء 3. بتصرّف.
  4. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 94، جزء 4. بتصرّف.
  5. ^ أ ب ابن القيم، الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة، صفحة 301، جزء 1. بتصرّف.
  6. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن حسان بن ثابت، الصفحة أو الرقم:453 ، صحيح.
  7. أبو العباس القرطبي، المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، صفحة 421، جزء 6. بتصرّف.
  8. ابن كثير، البداية والنهاية، صفحة 115-116، جزء 6. بتصرّف.
  9. ابن الملقن، التوضيح لشرح الجامع الصحيح، صفحة 560-561، جزء 28. بتصرّف.