حديث (إنّ الله لا ينظر إلى صوركم)

أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إنَّ اللَّهَ لا يَنْظُرُ إلى صُوَرِكُمْ وأَمْوالِكُمْ، ولَكِنْ يَنْظُرُ إلى قُلُوبِكُمْ وأَعْمالِكُمْ).[١]


شرح حديث (إنّ الله لا ينظر إلى صوركم)

يُبيّن النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث أنّ الله -سبحانه- لا ينظر إلى صور العباد المجردة على اختلاف ألوانهم، وأشكالهم، وأصولهم، كما لا يطلع على أموالهم كثرت أم قلّت، إن لم يكن فيها إنفاق صادق أو سعي في الخيرات؛ لأنّ محل النظر والاعتبار هو القلب، والتقوى، والعمل؛ وقد نوّه بعض أهل العلم إلى أنّ المقصود بنظر الله -تعالى- في هذا الحديث هو محاسبته، ومجازاته؛ فلا تكون على الصور والألوان؛ بينما على الأعمال والقلوب.[٢]


وقيل إنّ النظر هنا بمعنى رحمته، وعطفه على المنظور إليه؛ كما في قوله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَـٰئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ...).[٣]وينبغي التنبيه إلى أنّ المعنى المقصود من هذا الحديث هو صرف العبد عن الاهتمام بظواهر الأمور التي قد لا يُثاب عليها، والتي قد لا تكون سبباً في التقرّب إلى الله -تعالى-؛ إلى الاهتمام بالقلب وما حواه من صدق النيّة، ومن الإخلاص.[٤]


لأنّ القلب إن صحّ منه القصد والتوجه، وتطهّر من الصفات المذمومة التي لا تُرضي الله -تعالى-؛ ظهر أثر ذلك على الجوارح، وعلى أعمالها؛ لذا يقول -صلى الله عليه وسلم-: (... ألَا وإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً: إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وإذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، ألَا وهي القَلْبُ).[٥][٤]


ما يُستفاد من هذا الحديث

أشار الحديث إلى عدد من اللطائف والفوائد الثمينة؛ التي يمكن التنبيه إليها وتلخيصها على النحو الآتي:

  • أعمال القلوب مُغيّبة عن العباد لا يعلمها إلا الله -سبحانه-؛ فلا يصحّ لأحدٍ أن يقطع بما فيها -سواء أكانت خيراً أم شراً-.
  • أعمال الجوارح علامة ظنيّة لا قطعيّة على قصد القلوب والنوايا؛ فكم من عمل ظاهر أبان صاحبه بشكل حسنٍ محمودٍ كانت نيّته فيه مذمومة، وكم من عمل ظاهر أبان صاحبه عاصياً مُفرّطاً، إلا أنّ في نيّته صلاحاً يحتاج إلى التوجيه والتقويم ليظهر أثر ذلك على جوارحه.
  • لا يصحّ للمسلم أن يحتقر الآخرين؛ أو يرى أفضليّته عليهم لمجرد جمال صورته، أو كثرة أمواله، أو حتى حُسن عباداته وأعماله.
  • عدم المغالاة في تعظيم من بدا عليه الصلاح، وعدم المغالاة في ذمّ وتشنيع من بدا عليه العصيان؛ فالصلاح والسوء هي الحالة الظاهرة أمام الناس، ولا يعلم بذات الإنسان وحقيقته إلا الله -سبحانه-.
  • لا ينبغي اتخاذ هذا الحديث مسوّغاً لفعل المعاصي وإظهار الأعمال المذمومة، على اعتبار أنّ القلب هو محل النظر والمحاسبة؛ بل ينبغي على من آمن بقلبه أن يظهر أثر هذا الإيمان على جوارحه، فإيمان القلب وحده لا يُغني عن الاتباع والطاعة والاستقامة.
  • القلب والنيّة أساس قبول العمل أو ردّه؛ في هذا يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّما الأعْمالُ بالنِّيّاتِ، وإنَّما لِكُلِّ امْرِئٍ ما نَوَى...).[٦][٧]
  • إنّ تعظيم الأعمال وتصغيرها يكون بالنيّة؛ لذا كان الصالحون يقولون: "كم من عمل صغير عظّمته النيّة، وكم من عمل عظيم صغّرته النيّة".

المراجع

  1. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:2564، صحيح.
  2. عبد الحق الدهلوي، لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح، صفحة 523-534، جزء 8. بتصرّف.
  3. سورة آل عمران، آية:77
  4. ^ أ ب أبو العباس القرطبي، المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، صفحة 537-539، جزء 6. بتصرّف.
  5. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن النعمان بن بشير، الصفحة أو الرقم:52، صحيح.
  6. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم:1، صحيح.
  7. سعيد بن وهف القحطاني، الخلق الحسن في ضوء الكتاب والسنة، صفحة 29. بتصرّف.