نصّ حديث وادي وج

روى البخاريّ في صحيحه عن عتبان بن مالك -رضي الله عنه- أنّه قال: "كنتُ أصلّي لقومي ببني سالم، وكان يَحول بيني وبينهم واد إذا جاءت الأمطار، فَيشُق عليّ اجتيازه قبل مسجدهم، فجِئت رسولَ الله -صلّى الله عليه وسلم-، فقلت له: إنّي أنكرتُ بصري، وإنّ الوادي الذي بيني وبين قومي يسيل إذا جاءت الأمطار، فَيشُق عليّ اجتيازه، فوددت أنّك تأتي فتُصلّي من بيتي مكاناً، أتخذه مصلّى، فقال رسول الله -صلّى الله عليه وسلم-: سأفعل. فغدا عليّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلم- وأبو بكر -رضي الله عنه- بعد ما اشتدَّ النهار، فاستأذنَ رسول الله -صلّى الله عليه وسلم-، فأذنت له، فلم يجلس حتى قال: أين تُحبُّ أن أصلّي من بيتك؟ فأشرت له إلى المكان الذي أُحبّ أن أصلّي فيه، فقام رسول الله -صلّى الله عليه وسلم- فكبَّر، وصففنا وراءَه، فصلّى ركعتين، ثم سَلّم وسَلّمنا حين سلّم، فحبستُه على خزير يصنع له، فسَمِع أهلُ الدّار رسول الله -صلّى الله عليه وسلم- في بيتي، فثاب رجالٌ منهم حتى كَثر الرجال في البيت، فقال رجلٌ منهم: ما فعل مالك؟ لا أراه. فقال رجل منهم: ذاك مُنافق لا يُحبُّ الله ورسوله، فقال رسول الله -صلّى الله عليه وسلم-: لا تقل ذاك؛ ألا تراه قال: لا إله إلا الله، يبتغي بذلك وجه الله، فقال: الله ورسوله أعلم، أما نحن، فوالله لا نَرى ودّه ولا حديثه إلا إلى المنافقين، قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلم-: فإنّ الله قد حرَّم على النّار مَن قال: لا إله إلا الله، يبتغي بذلك وَجه الله".[١]


شرح حديث وادي وج

معاني المفردات

فيما يلي بيانٌ لمعاني ألفاظ الحديث:[٢][٣][٤]

  • يحول: يفصل.
  • اجتيازه: السير فيه وعبوره.
  • وددت: رغبت.
  • أهل الدار: أهل المكان أو المحلة.
  • ثاب رجال: جاء رجال.
  • ودّه: لطفه ونصيحته.
  • أقفل: أعود.


المعنى الإجمالي للحديث

يروي الحَديث الشريف واقعةً حَصَلتْ مع عتبان بن مالك الأنصاريّ، حيثُ كان يصلّي في قومه بَني سالم وكان يفصل بين بيته والمسجد وادٍ يَصعُب عليه اجتيازه عِندَ سُقوط الأمطار، كما أنّه كان يعاني من ضعفٍ في بصره، فَذهب إلى النبيّ -عليه الصلاة والسلام- وأَخبره عن حاله وطلب منه أن يأتيه فيُصلّي في مكان في بيته حتّى يتّخذه مَوضِعاً للصلاة.

فَمَا كانَ من النبيّ -صلّى الله عليه وسلم- إلّا أن لَبّى طَلبه وذَهبَ إلى بيته مع صاحِبَه أبو بكر الصدّيق، وفَورَ دُخوله بيت عِتْبان سَأله عن المَكان الذي يُحبّ أن يُصلّي فيه، حتّى يُنهي الغَرض الذي جَاء من أجله، فَأشار عتبان إلى المكان الذي يُحبّ أن يُصلّي فيه؛ فَصَلّى -عليه الصلاة والسلام- وصلّوا معه جماعة.[٥][٤]


ثُمَّ بَعد أن فَرغوا من الصلاة طَلب عتبان بن مالك من رسول الله -عليه الصلاة والسلام- أن يبقى في بيته، وقدَّم له طعامًا يُسمَّى خزير وهو طَعام يتكون من لحم ودَقيق، فَعَرف أهل الحيّ أن رسول الله -صَلّى الله عليه وسلم- في بيت عِتْبان فَجَاء رجال مِنهم حتّى كثروا، فَسأل رجل منهم عن مالك بن الدخشن فَردَّ عليه رجل آخر وقال: "ذاك منافق لا يُحبّ الله ورَسوله"، فَنَهاهم رسول الله -عليه الصلاة والسلام- عن قول ذلك، ووضَّح لَهم أنّ الله -عزّ وجلّ- قد حرّم على النّار مَنْ قال لا إله إلا الله يَبتغي بها وجه الله تعالى، وفي هذا شهادةٌ من رسول الله -عليه الصلاة والسلام- على صدق إيمان مالك بن الدخشن.[٥][٤]


ما يرشد إليه الحديث

يستفاد من الحديث الشريف عدّةُ فوائد ودروسٍ، منها ما يلي:

  • جواز قول الإِنسان: سَأفعل في المُستقبل دون أن يُتبع ذلك بقول: "إن شاء الله"؛ إذ إنّ النبيّ -عليه الصّلاة والسلام- قال: "سَأفعل" حين طلب منه عتبان -رضي الله عنه- أن يُصلّي في بيته.[٦]
  • أنّ المسلم يُعذر بترك صلاة الجماعة إذا كان بينه وبين المسجد ما يَشقّ عليه من وَحْلٍ وطينٍ وغير ذلك؛ فشرع الله تعالى قائمٌ على التيسير على النّاس، ورفع الحرج والمشقّة عنهم.[٧]
  • تحريم النّار على من قال: "لا إله إلا الله" مبتغيًا بها وجه الله تعالى؛ فمن قالها ابتغاء وجه الله سيفعل كُلّ ما يُقرّبه إليّه عزّ وجلّ، وسيحرص على الفروض والنوافل.[٨]
  • محبّة الصحابة لرسول الله -عليه الصلاة والسلام- ومجالسته؛ لأنّهم لمّا علموا أنّه عند عتبان بن مالك، ذهبوا إليه واجتمعوا عنده؛ ليتعلّموا منه، وينالهم مِن بركة علمه عليه الصلاة والسلام.[٩]

المراجع

  1. رواه الإمام البخاري، في صحيح البخاري، عن عتبان بن مالك، الصفحة أو الرقم:1186، صحيح.
  2. الإمام البخاري، صحيح البخاري، صفحة 59. بتصرّف.
  3. ابن عثيمين، كتاب شرح رياض الصالحين، صفحة 308. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت "شرح حديث عتبان بن مالك"، الدرر السنية موسوعة الحديث، اطّلع عليه بتاريخ 15/11/2021. بتصرّف.
  5. ^ أ ب ابن عثيمين، كتاب شرح رياض الصالحين، صفحة 309. بتصرّف.
  6. ابن عثيمين، كتاب شرح رياض الصالحين، صفحة 312. بتصرّف.
  7. ابن عثيمين، كتاب شرح رياض الصالحين، صفحة 313. بتصرّف.
  8. ابن عثيمين، كتاب شرح رياض الصالحين، صفحة 315. بتصرّف.
  9. ابن عثمين، كتاب شرح رياض الصالحين، صفحة 314. بتصرّف.