حديث الرسول عن اختيار الزوج

معيار اختيار الزوج الدين والخلق

بيّن النبي -صلى الله عليه وسلم- أهمّ معايير اختيار الزوج للفتاة المقبلة على ذلك، أو لوليها وأهلها الذين يستقبلون الخاطبين لابنتهم؛ فقال -صلى الله عليه وسلم-: (إذا أتاكم مَن ترضونَ خلقَهُ ودينَهُ فزوِّجوهُ، إلَّا تفعلوا تَكن فتنةٌ في الأرضِ وفسادٌ عريضٌ).[١]


وقد جعل النبي -صلى الله عليه وسلم- حُسن الخُلُق معياراً للاختيار؛ لأنّه مدار حُسن المعاشرة، وأمّا عن جعل الدين معياراً آخراً؛ فلأنّه مدار أداء الحقوق، ومخافة الله -تعالى- في ذلك، فيكون الضمان لسعادة المرأة مع زوجها حُسن خلقه، وحُسن دينه.[٢]


كما جلّى النبي -صلى الله عليه وسلم- أثر ردّ الخاطبين الذين يتصفون بالخلق والدين مع بساطة الحال، وقبول أصحاب الجاه والمال ممن لا يتخلّقون بأحسن الأخلاق، ولا يدينون بالدين القويم، فيكون ذلك سبباً لظهور الفساد والفتنة؛ لأمرين اثنين:[٢]

  • إنّ الحسب والمال والجاه عادةً ما يجلبون الفتنة والفساد، وانشغال الناس بمظاهر الدنيا وزينتها على أمور الآخرة.
  • إنّ ردّ الخاطبين قليلي المال مع دينهم وخلقهم يؤدي إلى انتشار الفواحش، لا سيما إذا انتشر ذلك بين أوساط المجتمعات؛ حيث يبقى عدد كبير من الرجال والنساء دون زواج أو تحصين؛ فيؤدي ذلك إلى انتشار الزنا، وإلحاق العار بالأولياء، والتجرؤ على القتل والرغبة بالثأر لردّ الحقوق، ونحوها من الفتن المضلّة.


اختيار الأكفاء

حثّ النبي -صلى الله عليه وسلم- على اختيار الأمثال؛ الذين يقتربون من بعضهم بالمكانة والمنزلة، والدين والخلق، والحسب والنسب، والمعيشة، ونحوها من الأمور التي يتفاضل الناس فيها ويتفاوتون؛ فقال -صلى الله عليه وسلم-: (تخيَّروا لنُطَفِكم، فانكِحوا الأكفاءَ وأَنكِحوا إليهم)؛[٣][٤] وكل ذلك قد يُؤثر على الأبناء، وعلى طبائعهم، وصورهم، وحسن خلقتهم؛ فأرشد النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى حسن التخيّر.[٥]


التخيّر بين الخاطبين

جاءت فاطمة بنت قيس -رضي الله عنها- تشتكي للنبي -صلى الله عليه وسلم- طلاق زوجها لها طلاقاً بائناً بثلاث تطليقات، وحرمانه لها من النفقة، فبيّن لها النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّ لا نفقة لها عليه، وأمرها بأن تعتد في بيت أم مكتوم، وطلب منها -صلى الله عليه وسلم- إذا انتهت عدّتها أن تخبره؛ فلمّا كان ذلك جاءت فاطمة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- تستشيره بأمر الخاطبين لها من الصحابة الكرام.


وكان قد خطبها ثلاثة من الصحابة؛ وهم كما جاء في الحديث: (معاويةُ وأبو الجَهمِ بنُ صُخيرٍ وأسامةُ بنُ زيدٍ)، فتخيّر لها النبي -صلى الله عليه وسلم- من بينهم أسامة بن زيد -رضي الله عنه-، وبيّن لها سبب ذلك فقال -صلى الله عليه وسلم-: (أمَّا معاويةُ فرجُلٌ تربٌ لا مالَ لَهُ، وأمَّا أبو الجَهمِ فرجلٌ ضرَّابٌ للنِّساءِ، ولَكن أسامةُ؛ فقالت بيدِها هَكذا: أسامةُ، أسامةُ، فقالَ لَها رسولُ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ-: طاعةُ اللَّهِ وطاعةُ رسولِهِ خيرٌ لَك، قالت: فتزوَّجتُهُ فاغتبطتُ بِهِ).[٦]


وفي رواية أخرى: (أمَّا أبو جَهْمٍ فلا يَضعُ عصاهُ عن عاتقِهِ، وأمَّا مُعاويةُ فصعلوكٌ لا مالَ لَهُ، انكِحي أسامةَ بنَ زيدٍ، قالَت فكَرِهْتُهُ، ثمَّ قالَ: انكِحي أسامَةَ بنَ زيدٍ فنَكَحتُهُ، فجعلَ اللَّهُ تعالى فيهِ خيرًا كثيراً، واغتَبطتُ بِهِ)؛[٧] وفي هذا الحديث أرشد النبي -صلى الله عليه وسلم- فاطمة بنت قيس -رضي الله عنها- إلى اختيار أسامة بن زيد -رضي الله عنه-؛ وترك غيره من الخاطبين المتقدمين؛ فأمّا معاوية فكان قليل المال لا يجد ما يسدّ كفايته، ليرعى زوجته ويقوم على حاجاتها، وأمّا أبو جهم فكان كثير الأسفار والتغيّب عن بيته، وقيل كان ضرّاباً للنساء؛ فلا يضع عصاه عن عاتقه.[٨]


وقد كانت فاطمة قد كرهت أن تنكح أسامة لأنّه من الموالي، وهي حرّة من نسب قريش؛ فلمّا رضيت بأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- ونكحت أسامة -رضي الله عنه-، رضيت بهذا الزواج وسعدت به.[٨]


ما ترشد إليه الأحاديث السابقة

يمكن للناظر في الأحاديث السابقة المتمعّن لها، استنتاج العديد من الدروس المستفادة التي يُرشد إليها الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم- صحابته، وأمته من بعدهم؛ نذكر منها:

  • ضرورة اعتبار معيار الدين والخلق عند اختيار الزوج.
  • إنّ الدين الإسلامي لا ينهى عن اعتبار المال والحسب والنسب في اختيار الأزواج؛ إنّما ينهى عن تقديم كل ذلك على حساب الدين أو الخلق.
  • تنفير النبي -صلى الله عليه وسلم- من ضرب النساء؛ وعدم قبول الزواج ممن عرف عنه ذلك.
  • الخاطب الفقير الذي ليس له ما يسدّ كفايته، ولا يقدر على تلبية حاجات وحقوق الزوجة؛ يجوز رفض الزواج به، أو تقديم عليه غيره.
  • المسارعة إلى طاعة الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- تجلب لصاحبها الخير والسعادة.

المراجع

  1. رواه ابن ماجه، في سنن ابن ماجه، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:1967، حسنه الألباني.
  2. ^ أ ب السندي، محمد بن عبد الهادي، حاشية السندي على سنن ابن ماجه، صفحة 607، جزء 1. بتصرّف.
  3. رواه ابن ماجه، في سنن ابن ماجه، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:1968، صححه الألباني.
  4. محمد الأمين الهرري، شرح سنن ابن ماجه للهرري مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه، صفحة 367، جزء 11. بتصرّف.
  5. عبد الرؤوف المناوي، فيض القدير، صفحة 237، جزء 3. بتصرّف.
  6. رواه ابن ماجه، في سنن ابن ماجه، عن فاطمة بنت قيس، الصفحة أو الرقم:1527، صححه الألباني.
  7. رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن فاطمة بنت قيس، الصفحة أو الرقم:2284، صححه الألباني.
  8. ^ أ ب عبد القادر شيبة الحمد، فقه الإسلام شرح بلوغ المرام، صفحة 8-9، جزء 7. بتصرّف.