حديث الاستخارة

ثبت في صحيح البخاريّ عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أنّه قال: (كانَ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ في الأُمُورِ كُلِّهَا، كَالسُّورَةِ مِنَ القُرْآنِ: إذَا هَمَّ بالأمْرِ، فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يقولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أسْتَخِيرُكَ بعِلْمِكَ، وأَسْتَقْدِرُكَ بقُدْرَتِكَ، وأَسْأَلُكَ مِن فَضْلِكَ العَظِيمِ، فإنَّكَ تَقْدِرُ ولَا أقْدِرُ، وتَعْلَمُ ولَا أعْلَمُ، وأَنْتَ عَلَّامُ الغُيُوبِ...).[١]


(... اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنَّ هذا الأمْرَ خَيْرٌ لي في دِينِي ومعاشِي وعَاقِبَةِ أمْرِي -أوْ قالَ: في عَاجِلِ أمْرِي وآجِلِهِ- فَاقْدُرْهُ لِي، وإنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنَّ هذا الأمْرَ شَرٌّ لي في دِينِي ومعاشِي وعَاقِبَةِ أمْرِي -أوْ قالَ: في عَاجِلِ أمْرِي وآجِلِهِ- فَاصْرِفْهُ عَنِّي واصْرِفْنِي عنْه، واقْدُرْ لي الخَيْرَ حَيْثُ كَانَ، ثُمَّ رَضِّنِي به، ويُسَمِّي حَاجَتَهُ).[١]


شرح حديث الاستخارة

يُخبر الصحابي الجليل جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يُعلم الصحابة الكرام الاستخارة في عموم أمورهم؛ ويُقصد بالاستخارة: طلب تيّسر الخير في الأمور التي يُقدم عليها المسلم، سواء أكان بالفعل أو بالترك، مباحةً كانت أم عبادة من العبادات،[٢] وقيل في عموم الأمور التي يُجهل حكمها؛ سواء أكانت عظيمةً أم صغيرة، واستثنى بعض أهل العلم الواجبات والمستحبات، والمحرّمات والمكروهات من الاستخارة.[٣]


ومن الجدير بالذكر أنّ شدّة حرص النبي -صلى الله عليه وسلم- على تعليم أصحابه الاستخارة، جعله يعلّمهم كيّفيّتها، وألفاظ دعائها كما يُعلّمهم السورة من القرآن الكريم، وقيل إنّ وجه الشبّه بين الاستخارة والسورة من القرآن الكريم قد يكون بالآتي:[٣]

  • إنّ عموم الحاجة إلى الاستخارة في الأمور كلّها، كعموم الحاجة إلى قراءة السورة في الصلاة، أو في غيرها.
  • حفظ الكلمات والحروف والترتيب في دعاء الاستخارة، يكون كما في حفظ وترتيب سورة القرآن؛ فينبغي المحافظة عليهما، ودرسهما دون الزيادة أو النقصان فيهما.
  • يُحتمل أنّ يكون الشّبه من جهة مصدر كلٍ منهما؛ إذ إنّ كلاً منهما عُرف عن طريق الوحيّ.


ثمّ يُكمل جابر -رضي الله عنه- ويُبين الطريقة الصحيحة التي تقع بها الاستخارة، والتي علّمهم إيّاها النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ وذلك بأن يُصلي المسلم ركعتين من غير الصلوات المفروضة، ثم يدعو بالدعاء الوارد في الحديث؛ وقد ذكر بعض أهل العلم أنّ الدعاء عقب الصلوات المفروضة، وفي أثناء أداء نوافلها -كالدعاء في نافلة الظهر مثلاً-؛ جائز لا حرج فيه،[٣] واشترط بعضهم عقد نيّة الجمع بين النافلة والاستخارة، كما ذهب بعضهم إلى القول بأنّ سنّة الاستخارة لا تحصل بوقوع الدعاء في الفريضة أو بعدها.[٤]


ما يُرشد إليه الحديث

تضمنّ حديث الاستخارة ودعائه العديد من الدروس والعبر التي يمكن استنتاجها على كافة الأصعدة؛ الفقهيّة، والعقديّة، والوجدانيّة وغيرها؛ والتي يمكن بيان بعضٍ منها على النحو الآتي:[٥]

  • يجب على المسلم ردّ الأمور كلّها إلى الله -تعالى-، والتبرؤ من حوله وقوته، إلى حول الله -تعالى- وقوّته.
  • يُستحسن للمسلم أن لا يُقدم على أمر من دقيق الأمور وعظيمها؛ حتى يستخير الله -تبارك وتعالى-، ويسأله أن يحمله فيه على الخير، ويصرف عنه الشر.
  • الإذعان لله -تعالى- والافتقار إليه سبب من أسباب الرشاد والتوفيق والهداية، وفيه تحقيقٌ لكمال العبوديّة لله -تعالى-.
  • الاهتداء بسنّة النبي -صلى الله عليه وسلم- واتباعه.
  • شدّة حاجة الإنسان إلى الاستخارة كشدّة حاجته إلى تعلّم السورة من القرآن الكريم.
  • إنّ الله -تعالى- هو المالك للشر والخالق له؛ إذ هو المدعو لصرفه عن العبد المسلم -كما في دعاء الاستخارة-، ومحالٌ أن يسأل العبد ربّه "أن يصرف عنه ما يملكه العبد من نفسه، وما يقدر على اختراعه دون تقدير الله عليه".
  • إنّ التشكيك الواقع في جزئيات الدعاء، بقوله -صلى الله عليه وسلم-: (... اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنَّ هذا الأمْرَ...)، هو من باب التفويض إلى الله -تعالى-، والرضا بعلمه فيه، وهو ما يُسميّه أهل البلاغة تجاهل العارف؛ فيكون من باب الشكّ بخيريّة الأمر أو شرّه، لا من باب الشكّ بأصل علم الله -تعالى- وقدرته.[٦]
  • ذهب بعض أهل العلم إلى إلحاق ركعتي صلاة الاستخارة بركعتي الفجر، ونافلة المغرب؛ فاستحبوا أن يُقرأ فيهما سورتي الإخلاص والكافرون؛ لما يكون فيهما من الإخلاص والتجرّد والتوحيد؛ والمستخير أحوج ما يكون لإظهار ذلك.[٧]

المراجع

  1. ^ أ ب رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن جابر بن عبد الله ، الصفحة أو الرقم:6382، صحيح.
  2. العظيم آبادي، شرف الحق، عون المعبود وحاشية ابن القيم، صفحة 277، جزء 4. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت الصنعاني، التحبير لإيضاح معاني التيسير، صفحة 146-147، جزء 6. بتصرّف.
  4. عبد الرحمن المباركفوري، تحفة الأحوذي، صفحة 482، جزء 2. بتصرّف.
  5. ابن الملقن، التوضيح لشرح الجامع الصحيح، صفحة 324، جزء 29. بتصرّف.
  6. عبد الرحمن المباركفوري، تحفة الأحوذي، صفحة 483، جزء 2. بتصرّف.
  7. محمد بن علي بن آدم الأثيوبي، ذخيرة العقبى في شرح المجتبى، صفحة 177، جزء 27. بتصرّف.