نشأت في فتراتٍ وأزمنةٍ من تاريخ الأمّة الإسلاميّة ظاهرة الوضع في الحديث الشريف؛ أي اختلاق الحديث وتأليفه ونسبته إلى النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- كذبًا وتقوّلًا عليه، وكان لوضع الأحاديث أغراضٌ متعدّدةٌ وأسبابٌ مختلفةٌ، وآتيًا تعريفٌ بالحديث الموضوع، وحكم العمل به، وبيان أسباب الوضع في الحديث، وأبرز الكتب المصنّفة في الأحاديث الموضوعة.


تعريف الحديث الموضوع

يُعرّف علماء الحديث الحديثَ الموضوع بأنّه: الكذب المُختلق المصنوع المنسوب إلى النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام-، وهو أشدّ أنواع الحديث الضعيف قبحًا، ومن العلماء من يعدّه قسمًا مستقلًّا لا نوعًا من أنواع الحديث الضعيف، وقد حذّر النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- من التقوّل عليه كذبًا؛ فقال: (وَمَن كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ).[١][٢][٣]


حكم العمل بالحديث الموضوع

أجمع العلماء على عدم جواز رواية الحديث الموضوع؛ وذلك لما رُوي عن النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- أنّه قال: (من حَدَّث عني بحديثٍ يُرى أنَّه كَذِبٌ، فهو أحَدُ الكاذِبِينَ)،[٤] ومن العلماء من يُقسّم الحديث الموضوع إلى قسمين، هما: الأوّل ما تعمّد قائله وضعه والكذب فيه على النبيّ عليه الصلاة والسّلام، والثاني ما وقع عن خطأ دون قصدٍ من قائله، كما أنّ لوضع الحديث صورتين؛ فإمّا أن يؤلّف الواضع كلامًا ويختلقه من عنده، ثمّ يركّب له سندًا، وإمّا أن يستعمل حكمةً أو كلامًا مشتهرًا ويُلحقه بسندٍ.[٢][٣]


أسباب الوضع في الحديث

تعدّدت الأسباب التي دفعت الوضّاعين لوضع الحديث والتقوّل على النبيّ عليه الصّلاة والسّلام، ومن هذه الأسباب:[٣]

  • التّقرب إلى الله تعالى: وذلك باختلاق أحاديث ترغّب في الطاعات أو تحذّر من فعل المعاصي والمنكرات، ظنّاً منهم أنها تقرّب من الله تعالى.
  • الانتصار المذهبي: وذلك في فتراتٍ مرّت فيها الأمّة بأحوالٍ ظهرت فيها الفتن وظهرت مذاهب جديدة، فلجأ بعض أتباعها إلى وضع الأحاديث انتصارًا لمذاهبهم.
  • الطعن في الإسلام: وقد لجأ البعض لذلك بقصد تشويه الإسلام وكيده.
  • التقرّب إلى أصحاب السلطة: حيث كان بعض ضعيفي الإيمان يختلقون أحاديث تُساير المسؤولين وتجاريهم؛ بُغية التقرّب إليهم.
  • التّكسّب وطلب الرزق: حيث كان بعض الوضّاعين يضعون أحاديث ويروونها، ويكون مضمونها قصص وأحاديث تسلّي الناس؛ فيتكسّبون ويترزّقون منهم.
  • طلب الشهرة: وذلك باختلاق أحاديث فيشتهر مختلقوها بسببها ويعرفون؛ لكون هذه الأحاديث غير موجودةٍ لدى أحدٍ من شيوخ الحديث.


مصنفات في الحديث الموضوع

صنّف عددٌ من علماء الحديث كتبًا ضمّت الأحاديث الموضوعة؛ بقصد بيانها للناس لتحذيرهم منها، ومن هذه المصنفات:[٥]

  • تذكرة الموضوعات: وصنّفه محمد بن الطاهر المقدسي.
  • الأباطيل "الموضوعات من الأحاديث المرفوعات": وصنّفه أبو عبد الله الحسين بن إبراهيم الجوزقاني.
  • الموضوعات: وصنّفه أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي.


أمثلة على أحاديث موضوعة

تاليًا ذكرٌ لعددٍ من الأمثلة على أحاديث وضعها وضّاعون لأغراضٍ وغاياتٍ مختلفة:[٢]

  • "الهريسةُ تشدُّ الظَّهرَ": وغرض هذا القول وقصده التكسّب.
  • زيادة لفظ "جناح" على حديث "لا سبَقَ إلا في نَصلٍ أو خفٍّ أو حافرٍ"؛[٦] وكان القصد من زيادة لفظ أو جناح على الحديث؛ تقرّب القائل إلى الخليفة المهدي لأنّه كان يلعب بالحَمَام.
  • "أنا خاتَمُ النَّبيِّينَ، لا نبيَ بعدي إلا أن يشاءَ اللَّهُ": فزيادة "إلّا أن يشاء الله" موضوعةٌ من قِبل الزنادقة؛ لغرض الطعن في الدين.


المراجع

  1. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمرو، الصفحة أو الرقم:3461، صحيح.
  2. ^ أ ب ت محمد طه شعبان (22/11/2017)، "شرح الحديث الموضوع"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 19/09/2021. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت محمود الطحان، تيسير مصطلح الحديث، صفحة 111-114. بتصرّف.
  4. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن سمرة بن جندب والمغيرة بن شعبة، الصفحة أو الرقم:6199، صحيح.
  5. "المؤلفات في الأحاديث الموضوعة"، إسلام ويب، 30/06/2002، اطّلع عليه بتاريخ 21/09/2021. بتصرّف.
  6. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:1700، حديث حسن.