أحاديث الرسول عن اختيار الزوجة

ورد في السنة النبويّة عدداً من الأحاديث الشريفة؛ التي وضحّ فيها النبي -صلى الله عليه وسلم- بعض الأمور التي ينهض عليها الاختيار في الزواج، فقدّم -صلى الله عليه وسلم- بعضها؛ وأباح بعضها الآخر، وجلّى ما يكون بهذا التقديم والاعتبار، وما يعود به من الخير؛ ومن هذه الأحاديث:


تقديم معيار الدين

قدّم النبي -صلى الله عليه وسلم- معيار الدين وحسن الخلق على باقي المعايير والأسس التي يمكن اعتبارها عند اختيار الزوجة؛ فقد ثبت عن أبي هريرة أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (تُنْكَحُ المَرْأَةُ لأرْبَعٍ: لِمالِها، ولِحَسَبِها، وجَمالِها، ولِدِينِها، فاظْفَرْ بذاتِ الدِّينِ، تَرِبَتْ يَداكَ)؛[١]وفي هذا الحديث يُبيّن النبي -صلى الله عليه وسلم- عادات الناس عند إقبالهم على الزواج؛ فهم يرغبون بالزواج من النساء الغنيّات، أو صاحبات الحسب والنسب، أو الجميلات الفاتنات؛ أو صاحبات الدين والخلق.[٢]


وإن كان اللائق بأرباب الدين والمروءة تقديم الدين على باقي الاعتبارات، وأن يكون مطمع نظرهم لنيل الزوجة الصالحة، لذا سمّى النبي -صلى الله عليه وسلم- نكاحها بالظفر؛ أيّ نهاية المطلب التي تكون عاقبته فوزاً؛ لما ينعكس هذا الاختيار على تحقيق المنافع في الدارين، حتى إنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- أكدّ على مصاهرة أصحاب الدين؛ للاستفادة من دينهم وصلاحهم، وتجنّب مفاسد غيرهم؛ فقال في نهاية حديثه: (تَرِبَتْ يَداكَ).[٢]


وهي جملة كانت جاريّة على ألسنة العرب في ذلك الزمان؛ وهي بنحو: أنّ لا أب لك، ولا يُقصد منها الدعاء بفقدان الأب؛ إنّما تشبيهاً منه -صلى الله عليه وسلم- بأنّ من ترك صاحبة الدين، وتعدّاها إلى غيرها -لمال أو جمال أو نحوه- كان كمن خسرت يداه،[٢]وقيل إنّها بمعنى افتقرت يداك -مجازاً وتشبيهاً- إن لم تفعل ذلك، من باب الحثّ والتحريض لا الدعاء.[٣]


تقديم البكر

أشار النبي -صلى الله عليه وسلم- في واقعة زواج الصحابيّ جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- إلى تخيّر وتقديم الزواج من البكر -التي لم يسبق لها الزواج- على الثيّب -المطلقة أو من توفيّ زوجها، فسبق لها الزواج من قبل-؛ لأنّ البكر عادةً يتعلّق قلبها بزوجها، وتكون محبتها له، وألفتها به أكبر مما يكون من الثيّب؛ التي قد تكون متعلقة الخاطر بالزوج الأول، لا سيما إن لم يكن زواجها الثاني كما تريد.[٤]


وفي هذا الحديث يستأذن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- للإسراع في الرجوع إلى المدينة تجهيزاً لزواجه؛ فسأله النبي -صلى الله عليه وسلم-: (... قَالَ: أتَزَوَّجْتَ؟ قُلتُ: نَعَمْ، قَالَ: أبِكْرًا أمْ ثَيِّبًا؟ قَالَ: قُلتُ: بَلْ ثَيِّبًا، قَالَ: فَهَلَّا بكْرًا تُلَاعِبُهَا وتُلَاعِبُكَ...).[٥][٤]


وفي رواية أخرى يُبرر جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- زواجه بالثيّب دون البكر: (... يا رَسولَ اللَّهِ، تُوُفِّيَ والِدِي -أوِ اسْتُشْهِدَ- ولِي أخَوَاتٌ صِغَارٌ، فَكَرِهْتُ أنْ أتَزَوَّجَ مِثْلَهُنَّ، فلا تُؤَدِّبُهُنَّ، ولَا تَقُومُ عليهِنَّ، فَتَزَوَّجْتُ ثَيِّبًا لِتَقُومَ عليهِنَّ وتُؤَدِّبَهُنَّ...)؛[٦] فكان زواجه -رضي الله عنه- من الثيّب لاعتبار أنّها أجدر على تحمّل المسؤولية في تربية أخواته الصغار، وتأديبهنّ، ولو كانت بكراً مثلهنّ لما قامت على أمرهنّ بالصورة المناسبة.[٧]


الودود الولود

حثّ النبي -صلى الله عليه وسلم- على الزواج من المرأة التي تلد؛ والتي تتودد إلى زوجها وتتقرب له؛ فقد جاء رجلٌ إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال له: (إنِّي أصَبتُ امرأةً ذاتَ حسبٍ وجمالٍ، وإنَّها لا تلِدُ، أفأتزوَّجُها، قالَ: لا ثمَّ أتاهُ الثَّانيةَ فنَهاهُ، ثمَّ أتاهُ الثَّالثةَ، فقالَ: تزوَّجوا الوَدودَ الولودَ فإنِّي مُكاثرٌ بِكُمُ الأُممَ).[٨][٩]


وقد بيّن أهل العلم أنّ في الحديث قرينة على أنّ هذا الرجل كان يعرف بأمر هذه المرأة التي أقبل على خطبتها؛ بأنّها كانت لا تلد، فلعلّها تزوجت أكثر من مرة ولم تنجب، ولعلّ من تزوّجها أنجب من غيرها، ولم يُنجب منها؛ أو أنّ حالها كان شبيهاً بحال أخواتها وعمّاتها وقريباتها من النساء، فدلّ ذلك على أنّها عقيم.[٩]


ولقد عللّ النبي -صلى الله عليه وسلم- سبب الزواج من المرأة الولود بأنّ تكثير النسل في هذه الأمة، سبب لمفاخرته -صلى الله عليه وسلم- يوم القيامة؛ بأن تكون أمته أكثر الأمم يوم القيامة.[٩]


اعتبار الكفاءة بالزواج

يقول -صلى الله عليه وسلم- في توجيه أمته عند اختيار الزوجات والأزواج: (تخيَّروا لنُطَفِكم، فانكِحوا الأكفاءَ وأَنكِحوا إليهم)؛[١٠] وفي هذا الحديث ترغيب بطلب خير المناكح، وأزكاها، وأبعدها عن الفجور ونحوها؛ مما يُعاب على الخلق والدين والسمعة؛ وأنّ على الأولياء اعتبار الكفاءة في الزواج، وهذا لا يتعارض مع اعتبار الدين أو الاعتبارات الأخرى؛[١١] فقد تجتمع الكفاءة مع الدين، والمال والجمال مع الدين، فكون هذا زيادة في الخير.

المراجع

  1. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:5090، صحيح.
  2. ^ أ ب ت شمس الدين البرماوي، اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح، صفحة 193-194، جزء 13. بتصرّف.
  3. عبد الرؤوف المناوي، فيض القدير، صفحة 389، جزء 2. بتصرّف.
  4. ^ أ ب عبد الحق الدهلوي، لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح، صفحة 13-14، جزء 6. بتصرّف.
  5. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم:5247، صحيح.
  6. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم:2967، صحيح.
  7. محمد الأمين الهرري، الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، صفحة 362، جزء 17. بتصرّف.
  8. رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن معقل بن يسار، الصفحة أو الرقم:2050، قال الألباني حسن صحيح.
  9. ^ أ ب ت عبد المحسن العباد، شرح سنن أبي داود للعباد، صفحة 21، جزء 236. بتصرّف.
  10. رواه ابن ماجه، في سنن ابن ماجه، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:1968، صححه الألباني.
  11. السندي، محمد بن عبد الهادي، حاشية السندي على سنن ابن ماجه، صفحة 607، جزء 1. بتصرّف.