صحة حديث (أبغض الحلال عند الله الطلاق)

روى أبو داود في سننه عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-، أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (أبغضُ الحلالِ عند اللهِ الطَّلاقُ)؛[١] وهذا الحديث الضعيف رواه أيضاً ابن ماجه في سننه، ورواه البيهقي مرسلاً ليس فيه عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-، ورجّح أبو حاتم والدارقطني الإرسال، وأورده ابن الجوزي في العلل المتناهية بإسناد ابن ماجه، وضعّفه بعبيد اللَّه بن الوليد الوَصَّافي، وهو راوٍ ضعيف.[٢]


كما أورده الدارقطني برواية أخرى ضعيفة، بل ورجّح انقطاعها؛ لما جاء في إسناد هذه الرواية عدداً من الرواة الضعاف، المُتكلّم فيهم عند أهل الحديث والعلل، إضافةً لعدم تحقق اللقاء بين رواة السند؛[٢] وخالف الحاكم جموع أهل العلم، فصحّح هذا الحديث؛[٣] وعلى هذا فإنّ الحديث في أقل أحواله ضعيف أو مرسل.


هل الطلاق مكروه؟

تنوع أحكام الطلاق

ذهب جمعٌ من العلماء إلى القول بأن الطلاق يختلف حكمه باختلاف الأحوال المصاحبة له، وباختلاف زمن وقوعه، وباختلاف الغرض والمقصد منه؛ فقد يكون الطلاق:[٤]

  • واجباً؛ كمن طلق زوجته، وانتهت عدتها دون أن يراجعها، ثم طالبته بحقّها.
  • مندوباً؛ كطلاق سيئة الخلق والعشرة.
  • حراماً؛ لمن أراد أن يوقعه ظلماً وزوراً.
  • مكروهاً؛ لمن أوقعه على مستقيمة الحال.
  • ختاماً يمكن للطلاق أن يكون مباحاً؛ كمن لا يهوى زوجته، أو لا يستمتع بها كما شرع له المولى -سبحانه-.


كراهة الطلاق ليست لذاته

ذهب بعض أهل العلم إلى أنّ كراهة الطلاق لا تكون لذاته؛ بل للسبب الجالب للطلاق؛ فقد يكون بسبب سوء معاملتها، أو سوء معاشرتها، وقد أباح الله -تعالى- الطلاق، وشرعه لأسباب عديدة؛ كما ثبت أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- طلق بعض أزواجه ثم راجعهنّ، كما ثبت أنّ عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- كان له امرأة لم يرغب والده عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بصحبتها؛ فشكاه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فطلب منه أن يأمر ابنه بطلاقها.[٥]


إذ صحّ في الحديث عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: (كانت تحتي امرأةٌ أُحِبُّها، وكان أبي يَكْرَهُها؛ فَأَمَرَني أن أُطَلِّقَها، فأبيتُ، فَأَتَى النبيَّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- فَذَكَرَ ذلك له، فأرسلَ إليَّ، فقال: يا عبدَ اللهِ طَلِّقْ امرأتَكَ؛ فطَلَّقتُها)؛[٦]ويظهر من أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا أنّ الطلاق ليس بمكروه، ولو كان بذلك لما أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- بفعل أو الإقبال على أمرٍ مكروه.[٥]


أمّا أمره -صلى الله عليه وسلم- لابن عمر -رضي الله عنهما- بمراجعة زوجته؛ فذلك لأنّه طلقها في فترة الحيض؛ إذ ثبت في الصحيح أنّ ابن عمر طلق زوجته وهي حائض، فطلب منه النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يراجعها؛ فقال: (... مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا...)،[٧] وهذا الحديث يأمر بالرجعة والإمساك حتى تطهر؛ ولا يُستدلّ به على كراهة الطلاق أو بغضه.[٨]

المراجع

  1. رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:2178، ضعيف في إسناده.
  2. ^ أ ب عبد القادر شيبة الحمد، فقه الإسلام شرح بلوغ المرام، صفحة 189-190، جزء 7. بتصرّف.
  3. الجلال السيوطي، تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي، صفحة 623، جزء 2. بتصرّف.
  4. موسى شاهين لاشين، المنهل الحديث في شرح الحديث، صفحة 73-74، جزء 4. بتصرّف.
  5. ^ أ ب حسن بن علي الفيومي، فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب، صفحة 82، جزء 9. بتصرّف.
  6. رواه الإمام أحمد، في المسند، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:5144، صححه الضياء المقدسي في المختارة وصححه الألباني.
  7. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:5252، صحيح.
  8. موسى شاهين لاشين، المنهل الحديث في شرح الحديث، صفحة 74، جزء 4. بتصرّف.